من قلم : ألبير كاترينا
الجراح النفسيّة و تأثيرها على البوصلة الأخلاقية
لطالما اجتهدت في الدفاع عن قضايا العرب و وقفت مع شعوبنا ضد حُكّامها المستبدين .. و دافعت عن حق شعوبنا في التعبير عن آرائها و معتقداتها, حتى و إن كنت أختلف معها فيها, حتى و إن كنت أظنها مخطئةً بحق نفسها
لكن, بين الفينة و الأخرى, أتعرّض للظلم و الجفاء من الشعوب العربية لأسباب تافهة ... فالغالبية العظمى منهم ينْصِبوا لي كل أنواع العداء و الكراهية اذا علموا أنّي من تلك المنطقة الجغرافية أو أنّي مختلف عنهم دينياً .. فالشكر كل الشكر لوسائل التواصل الإجتماعي التي سهّلت لي مهمّة سبرِ أغوار الطبائع و السجايا العربيّة
ثم بعد أن أتعرّض لذلك الظلم و الجفاء, أجد بداخلي ردّة فعل معاكسة بها انكار لحق تلك الشعوب في التعبير, لأنهم ان عبّروا عن شيء فلن يكون إلا عن مطالبات لإسكات بعضهم البعض ... ثم تختالني تساؤلات كثيرة عن جدوى تطبيق الديموقراطية بالمنطقة العربية .. ثم تستمر تساؤلاتي: مالأصلح لتلك الشعوب؟ أحكّامٌ مستبدون؟ أم ديموقراطية عرجاء؟, لأني لا أرى أي مكان لديموقراطية عربية تجمع تحت قبّتها كل الأطياف العربية... فليس أمامي خيار إلا أن اقول: لو انهارت الأنظمة العربية المستبدة, فلن يحل محلّها إلا الفوضى أو ديموقراطية شبيهة بالحصحصة اللبنانية أو بالمهزلة العراقية .. ثم أتوقّف قليلاً و اسأل نفسي: لكن هذا لم يكن رأيي قبل أن أتعرّض للظلم و الجفاء من مجموعة أفراد يمثلوا التيار الشعبوي بالمنطقة العربية. فلربما تكون تساؤلاتي السابقة ليست إلا تلك الموجة النفسية المختلطة بالغضب
ثم أتوقّف مع نفسي و اقول: أنت طائرٌ أصيب جناحه, فلم يحسن الطيران ... فتوقف برهةً عن الطيران, و انتظر حتى تُشفى جراحك .. ثم بعدها حلّق في سماء التفكير, و راجع إجاباتك الآنفة
تحياتي لتلك الشعوب التي قال عنها الشاعر
شعب كما شاء التخاذل و لهوى, متفرّقٌ و يكاد أن يتمزّقا
..
لا يرتضي دين الإله موفّقاً بين, القلوب و يرتضيه مفرّقا
..
كَلِفٌ بأصحاب التعبّد و التقى, و الشر ما بين التعبّد و التقى
..
مستضعفٌ, إن لم يُصِبْ متملّقاً يوما, تملّقَ أن يرى متملّقا
و قال عنهم أيضاً في استعدائهم لمفكريهم و مثقفيهم
أو كلما جاء الزمان بمصلحٍ, في أهله قالوا طغى و تزندقا
..
فكأنما لم يكفهم ما قد جنوا, و كأنما لم يكفهم أن أخفقا
..
هذا جزاء ذوي النهى في أمّةٍ, أخذ الجمود على بنيها موثقا